نجيب الزامل- ما شاء الله

http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12871&P=4

من طبعهِ البشاشة والتفكـّه، ولكني لم أسمع صوتَ الشيخ «محمد العوضي» الداعية الكويتي ذي السمعة الذائعة فرِحاً جَذِلاً يقطر سعادةً حلوة كما سمعته في أول رمضان يخبرني عن الشابةِ الأمريكية «زهرة مريم» التي أعلنت إسلامَها في رمضان الفائت في دولة الكويت الشقيقة، وأنه سيجري حواراً معها، ويحثني على مشاهدته في قناة الراي الكويتية.. ويذهب صوتُ الشيخ الضاحكِ وهو يردِّدُ: «.. يا أخي عجيبٌ هذا الإسلام..»
نعم عجيبٌ هذا الإسلام، كيف يستلم القلوبَ ثم ينيرها، ويُسعِدها.. غريبٌ هذا الإسلام كيف يجعل وجهَ المسلمِ الجديدِ يشرقُ بأنوارٍ علوية، وعجيبٌ هذا الإسلام كيف يقلب الوجوهَ الواجمة إلى ملامحٍ سمحةٍ لا تتعطل عن الابتسام، ذلك الابتسامُ الذي قد لا نشعره ونفهمه نحن تماما كما يشعر به الداخلُ الجديدُ لدين التوحيد والسلام مع النفس ومع الكون.. لأنه كان كالساعي في طرقٍ مظلمةٍ موحشةٍ يتخبط ذات اليسار وذات اليمين، ويلتصق بالوحلِ والقذى، ويرتمي على الأذى، ويهربُ كما يهرب المصعوق بحثاُ عن الملاذ، كالذي يجري مذعوراً متردداً من أين الطريق وكيف الاتجاه، مثل من يصارع الموجَ ولا يرى الساحل، وزعانفَ القرش تطلّ حوله بضراوةٍ تشق الموج.. ثم يجد الأمانَ، يجد الشاطئَ الأبيضَ والخُضرة المثمرة، يجد الطريقَ الصحيح، يمشي على مسالكٍ من حرير.. فجأة تشرقُ الشمسُ من كلِّ اتجاه، ويرتشفُ ماءً يشفُّ نقاءً وصفاءً وطهارةً ويغتسل من أكدارٍ وجراحٍ علِقتْ من الضنى والضياع والمعاناة.. ابتسامةٌ لا تخفى، وتأخذ دورَها لتنتقل لكل قلبٍ يرى، ويشعر..
وكان أخونا الأمريكي «يوسف أحمد»، الذي سبق أن قدمته هنا أكثر من مرة، قبل أن يسلم متجهماً نافِرا ومنفِـّراً، ثم لما أسلم، واسألوا من عرفه، ومن رآه على التلفزيون مع زميلنا الكاتب الاجتماعي ورئيس محطة تلفزيون الدمام الأستاذ «سعيد اليامي» ومعي، وقال أحدٌ من الناس، وقتها، من فرط إضاءةِ يوسف وسماحة إطلالته مكللا بلحيةٍ بيضاء كالثلج القطبي: «لم يبق له إلا جناحان ويصيرُ ملـَكا»، ربما أفرط في الوصفِ، وإنما لم يفرط في التعبير عن الشعور.. وكلما رأيتُ يوسف ردّد علي بالعربية والإنجليزية: «أنا أسعد الناس على الأرض..»
لم أر مقابلة العوضي كاملة ولحقتُ آخرَ مقاطِعها، مع الأمريكيةِ زهرة التي أسلمت في رمضان، وكان اسمها روزماري، وغيرته بالمقابل العربي (الإسلامي إن شئت) إلى «زهرة مريم».. لم تكن زهرة على قدرةٍ كاملةٍ بالعربية، ولكنها عبّرت بخليطٍ من العامية والفصيح القليليْن، إلا أن شعورَها كان غامِرا متدفقاً كشلالٍ من الفرحة، وبدت عليها الفرحة كمن لتوِّهِ اكتشف كنزاً هائلاً بعد فقرٍ وشظـَف، فهي لا تقفُ عن الابتسام ولا تكِفُّ عن لازمة (ما شاء الله) إنها تتطعّم بلفظِ الجلالة (الله) وكلما ذكرته اتجهت يدَها لا شعوريا إلى موقعِ قلبها.. «إنها أسعد الناس على الأرض».
لم يتدخل العوضي لوقف شلالِها المتدفق من السعادةِ والفرح، فقد فكّ الله ُ لسانـَها مع قلـّةِ كلماتِها وارتباكِ عربيتها، إلا للشرح والتوضيح. وهي تقول إنها فرحت «ما شاء الله» أكبر فرحة بإسلامها، وأن من يذق صلاة الجماعة مع الناس «ما شاء الله» فلن يعرف مذاقَ سعادةٍ أبدع فيما بعد، وأنها سمعت صوتَ الشيخ «مشاري العفاسي» في المسجد الكبير في الكويت، فعرفت مذاقا آخرَ للدموع «دموعٌ نظفتْ قلبي وروحي، ما شاء الله»، ولما حضرت درسا للشيخ «نبيل العوضي» صاحب العبارة المتأنية الواضحة، وقد منحه الله جمالَ مخارج الصوت، والحنجرة الزاهية، تقول زهرة مريم إنها فهمت درسَ الشيخ نبيل، ثم لم تتوقف عن البكاء حتى الفجر.. «ما شاءَ الله.»
كان لقاء فيه من مشاهدِ السماء، رقـَّتْ زهرة وتألـّقتْ وأضاءتْ إيمانا، وكان الشيخُ محمد في أحلى هالاته، ولم أره بمثل سعادة تلك المقابلة.
وكان الحزنُ المهيبُ مجللا صوت الشيخ محمد مع سعادةٍ خفيةٍ ذائبة في الروح والدمع، وهو يخبرني أن زهرة مريم بعد تصوير الحلقةِ عادت للأردن.. وتعرضت لحادث سيارة، وسلـّمت الروح..
أسلمت زهرة في رمضان، وماتت زهرة في رمضان.
«ما شاء الله.»

شكرا لك

مشكوووووووووور